القائمة الرئيسية

الصفحات

اعتراف هزّ المحكمة… حين حمل ابنه لأول مرة تغيّر كل شئ


اعتراف هزّ المحكمة… حين حمل ابنه لأول مرة تغيّر كل شئ

منذ 8 ساعات


كان الرجل ما يزال واقفا في منتصف القاعة بعد اعترافه يحاول أن يلتقط أنفاسه بينما طفله نائم على صدره كأن العالم لم يطلق صرخة واحدة اعتراف هزّ المحكمة… حين حمل ابنه لأول مرة تغيّر كل شئ شيء بدا وكأنه يتباطأ حوله كأن عقارب الساعة توقفت احتراما للحظة نادرة لحظة يتقاطع فيها الماضي المكسور مع المستقبل الذي لم يولد بعد لم يكن يعرف كيف خرجت الكلمات من فمه ولا كيف وجد الشجاعة ليكشف سرا حمله على ظهره




 لسنوات طويلة لكنه كان يعرف شيئا واحدا فقط حين حمل طفله شعر بأن كل شيء في داخله يتغير وكأنه رأى حياته بالكامل مرة أخرى من البداية ورأى كل القرارات التي اتخذها وكل اللحظات التي ظن فيها أنه يقوم بالاختيار الصحيح بينما كان في الحقيقة يهرب من المواجهة





كان الحراس ينظرون إليه بتوتر ليس لأنهم يتوقعون خطرا منه بل لأن الموقف نفسه أكبر من قدرتهم على فهمه الزوجة كانت واقفة


على بعد خطوة تنظر إليه بنظرة فيها كل شيء صدمة حزن ألم خوف وشيء يشبه الاحترام الذي يولد بعد اعتراف صادق كانت تشعر بأن العالم يعاد تشكيله أمامها وأن الرجل الذي عاشت معه لم تكن تعرفه كما ظنت وأن ما يحدث أمامها اليوم يكشف جزءا من روحه لم تراه من قبل

جلس الرجل في زاوية القاعة بعد خروج القاضي وبقي طفله نائما كأنه يرفض أن يستيقظ قبل أن يعرف مصير أبيه كانت الزوجة تجلس بجانبه تراقب يديه وهما ترتجفان وتراقب عينيه وهما تحاولان تجنب دموع جديدة لكنه كان يشعر أن كل شيء داخله




 أصبح مكشوفا لم يعد هناك ما يخفيه لم يعد قادرا على حمل ذلك السر الثقيل قال لها بصوت مرتجف إنه لم يكن يريد أن يجرح أحدا وأنه لم يكن يعرف كيف يواجه أخاه في تلك الليلة وأنه شعر بأن الاعتراف عن أخيه سيهدم الأسرة كلها وأنه اختار الصمت لأنه ظن 




أنه الأقوى لكنه أدرك الآن أن الصمت لم يكن قوة بل خوفا عميقا

في تلك الليلة عاد إلى زنزانته بلا قيود في يديه لكنها كانت المرة الأولى التي يشعر فيها أن قلبه نفسه بلا قيود كأن الهواء أصبح أخف كأن الجدران أقل قسوة كأن كل شيء قابل للبدء من جديد جلس على سريره ينظر إلى يديه التي احتضنت طفله للمرة الأولى وتذكر كيف كان يتساءل طوال السنوات الماضية عن شكل طفله عن صوته عن ضحكته عن الخطوات الأولى التي لم يكن موجودا ليراها عن كل ما فقده من حياته بسبب قرار واحد اتخذ في لحظة ضعف لم يعد يشعر بالغضب من نفسه بل بالحزن فقط ذلك الحزن الذي يشبه اعترافا داخليا بأن الوقت الذي يضيع لا يعود وأن اللحظة التي تمر لا تعود وأن الإنسان لا يستطيع العودة إلى الماضي لكنه يستطيع أن يغير المستقبل






مرت الأيام التالية ببطء شديد كل يوم يأتي محققون جدد وملفات قديمة تفتح وشهود تمت إعادة استجوابهم كان الرجل يجلس في غرفة صغيرة داخل السجن يتبادل الأسئلة مع المحققين بهدوء يبدو كأنه أكبر عمرا من سنواته لم يكن يحاول الدفاع عن نفسه بل كان يروي الحقائق كما هي بلا مبالغة ولا محاولة لإخفاء شيء قال الحقيقة كاملة بكل تفاصيلها الصغيرة عن الليلة التي ارتكب فيها أخوه الخطأ عن المكالمة التي تلقاها عن الرعب الذي رآه في عيني أخيه عن لحظة ضعفه الشخصي التي جعلته يقرر تحمل المسؤولية

وفي الخارج كانت زوجته تعيش صراعا آخر كانت تحضر كل




 جلسات التحقيق كل الاجتماعات كل طلبات الدفاع وتجلس لساعات طويلة في الممرات تنتظر أن تسمع خبرا جديدا كانت تشعر أن حياتها كلها معلقة بين لحظة وأخرى وأن مصير زوجها ليس فقط متعلقا بالقانون بل بالزمن نفسه لكنها كانت 

اعتراف هزّ المحكمة… حين حمل ابنه لأول مرة تغيّر كل شئ

م

ليلة إلى البيت وهي تحمل طفلها بين ذراعيها وتشعر بأن الطفل يعطيها قوة لم تعرفها من قبل كانت تضعه في سريره وتنظر إليه وهو ينام وتفكر بأن هذا الصغير هو الذي أعاد لزوجها الشجاعة وأن هذا الصغير سيكون بداية حياة جديدة لهما مهما كانت النهاية

بعد أسبوع كامل من الانتظار جاء اليوم الذي طلب فيه القاضي حضور جميع الأطراف حضر الناس كما لو أنهم يشهدون حدثا سيبقى في ذاكرة المدينة لسنوات حضر الصحفيون وحضر الجيران وحضر بعض موظفي المحكمة الذين لم يكونوا مطالبين بالحضور لكنهم قرروا البقاء لأن القصة أصبحت قريبة من قلوبهم جميعا





عندما دخل الرجل القاعة دخل بخطوات بطيئة لم يكن يعرف القرار لم يكن يعرف ما إذا كان الاعتراف سيحرره أو سيؤكد العقوبة لكنه كان جاهزا لكل شيء كان يحمل طفله بين ذراعيه والطفل ينظر حوله بعينيه الصغيرتين كأن العالم بالنسبة له مكان جديد تماما

ثم حدثت اللحظة التي غيرت كل شيء




وقف القاضي وقال بصوت ثابت إن المحكمة حصلت على أدلة جديدة وإن هناك شهادة جديدة من أشخاص كانوا مترددين سابقا وإن التحليلات الأخيرة أثبتت أمورا لم تكن موجودة في الملف القديم كل كلمة كان يتلفظ بها القاضي كانت تسقط في القاعة مثل قطع ثلج بطيئة لكنها ثقيلة ثم قال الجملة التي كانت تنتظرها زوجته وينتظرها الحاضرون وينتظرها حتى الطفل دون أن يفهم معناها

تقرر المحكمة تبرئة المتهم وإطلاق سراحه فورا

لم يفهم الرجل الجملة فورا شعر ببعض الدوار كأن الجدران تتحرك من حوله كأن الزمن عاد فجأة إلى الحركة بعد أن كان متوقفا نظرت إليه زوجته ودموعها تسقط دون أن تحاول إيقافها وقالت له بصوت مكسور انتهت لقد انتهى كل شيء

خرج من المحكمة تحت أشعة شمس لم يشعر بدفئها منذ سنوات كانت خطواته على الرصيف الأولى من نوعها منذ زمن طويل خطوات شخص لا يحمل وزن القيود على معصميه ولا وزن الصمت على صدره كان الطفل بين يديه يضحك ضحكة صغيرة كأن العالم كله كان يحتفل بخروجه معه




مرت الأسابيع التالية كأنها فصل مختلف من حياته حاول تدريجيا أن يتأقلم مع العالم الخارجي مع وجود أشياء لم يستوعبها بعد مثل التقنية الجديدة والطرقات المختلفة والوجوه التي كبرت والناس الذين تغيروا كان يقف أمام نافذة بيته كل صباح ينظر إلى الشارع يشعر بأنه غريب قليلا لكنه لم يكن يشعر بالخوف كان يشعر فقط بأنه عاد إلى الحياة

كان يقضي ساعات طويلة مع طفله يراقبه وهو يحبو وهو يضحك وهو يحاول قول أولى كلماته كانت تلك اللحظات تعني له أكثر من كل شيء لأنها كانت اللحظات التي شعر فيها بأن كل شيء يمكن أن يبدأ من جديد وأن الإنسان قادر على أن يصنع من الألم بداية جديدة حتى لو تأخرت




بعد سنة كاملة أصبح وضعه أفضل حصل على وظيفة بسيطة في متجر قريب ثم بدأ يتعلم مهارة جديدة ثم بدأ يساعد بعض الشباب الذين مروا بمشكلات قد تؤدي بهم لاتخاذ قرارات خاطئة كان يشعر بأن التجربة التي عاشها لم تكن مجرد عقوبة بل درسا كبيرا كأنه يريد أن يشارك به كل من حوله

وفي يوم من الأيام بينما كان يحمل طفله ويمشي به في الحديقة نطق الطفل كلمته الأولى كلمة صغيرة لكنها حملت معنى أكبر من كل الكلمات

بابا





وقف الرجل في مكانه شعر بأن قلبه يتوقف ثم يعاود النبض بقوة أكبر كانت تلك الكلمة بالنسبة له أكبر من تبرئته أكبر من خروجه من السجن أكبر من أي شيء عاشه في حياته كانت إعلانا أن الماضي انتهى وأن المستقبل بدأ

وهو يمسك طفله بقوة شعر بشيء يشبه السلام الداخلي ذلك السلام الذي انتظره سنوات طويلة وشعر

بأن الإنسان يمكن أن يولد مرتين مرة من رحم أمه ومرة أخرى من رحم الحقيقة


 




تعليقات